الدكتور أقبلي يكتب..إصلاح سياسي جديد لتجديد النخب واستعادة الثقة

بقلم: الدكتور امحمد أقبلي
رئيس جماعة أجلموس – إقليم خنيفرة
في اجتماع ملكي ترأسه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، صادق المجلس الوزاري على التوجهات العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2026، وعلى أربعة مشاريع قوانين تنظيمية تمس جوهر النظام السياسي والحزبي المغربي، لتفتح صفحة جديدة في مسار تحديث الدولة وإعادة بناء الثقة بين المواطن والسياسة.
هذه المصادقة لم تكن مجرد محطة إدارية، بل رسالة سياسية عميقة تعكس الإرادة الملكية الصريحة في الارتقاء بالفعل الحزبي إلى مستوى المسؤولية الوطنية، وفي وضع أسس جيل جديد من النخب السياسية المؤهلة، القادرة على مواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المغرب.
فمشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب يكرّس منعطفًا نوعيًا في مسار تخليق الحياة السياسية، من خلال تحصين المؤسسة التشريعية من كل من تحوم حوله شبهات الفساد أو صدرت في حقه أحكام تمس بالأهلية الانتخابية. كما يشدد العقوبات على كل من يُمارس العبث الانتخابي أو يحاول التأثير غير المشروع في العملية الديمقراطية، بما يعيد الاعتبار لفكرة التمثيلية السياسية النزيهة والمشروعة.
لكن الأهم هو ما يتضمنه المشروع من تحفيزات حقيقية للشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 35 سنة، من خلال تبسيط شروط الترشح وتقديم دعم مالي يغطي 75% من مصاريف الحملات الانتخابية، في مبادرة غير مسبوقة لإعادة إدماج الجيل الجديد في الفضاء السياسي، وإعادة تعريف العلاقة بين السياسة والشباب على أساس الكفاءة والفرص المتكافئة.
كما أن تخصيص الدوائر الانتخابية الجهوية للنساء فقط يشكل خطوة متقدمة في تمكين المرأة سياسياً، ويعكس الإيمان الراسخ بأن التنمية لا يمكن أن تتحقق دون مشاركة نسائية فاعلة في صناعة القرار.
أما القانون التنظيمي الخاص بالأحزاب السياسية، فيلامس بعمق جوهر الأزمة الحزبية المغربية، المتمثلة في ضعف التأطير وغموض التمويل وانحسار الديمقراطية الداخلية. فجاء ليؤسس لمنظومة جديدة من الحكامة الحزبية، تقوم على الشفافية والمحاسبة وربط الدعم العمومي باحترام القانون، مع فتح الأبواب أمام الشباب والنساء لتولي مهام القيادة والتسيير.
إنه تحول في الفلسفة السياسية للدولة المغربية، التي لم تعد تكتفي بتشجيع المشاركة الشكلية، بل تسعى إلى تأهيل البنية التنظيمية الحزبية لتواكب تطور المجتمع، وتعكس قيم النزاهة والمسؤولية والمواطنة.
وفي ظل التحولات الاجتماعية الراهنة، حيث يزداد وعي المواطن ويعلو سقف الانتظارات من المؤسسات المنتخبة، تأتي هذه الإصلاحات لتؤكد أن المغرب دخل مرحلة جديدة من الإصلاح السياسي الممنهج، تُعيد الاعتبار للسياسة كأداة لخدمة الصالح العام، لا كوسيلة للوصول إلى الامتيازات.
إن اجتماع المجلس الوزاري اليوم يُعتبر لحظة فاصلة في مسار الدولة المغربية الحديثة، حيث تتقاطع الإرادة الملكية في ترسيخ النموذج الديمقراطي الوطني مع الحاجة الملحّة لتجديد النخب السياسية، وإعادة الاعتبار للعمل الحزبي المسؤول.
إنه إعلان واضح أن زمن العشوائية والزبونية قد ولى، وأن المستقبل سيكون فقط لمن يمتلك الكفاءة والنزاهة والقدرة على خدمة الوطن في إطار من الالتزام المؤسساتي والاحترام الأخلاقي.
بهذه الرؤية، يواصل جلالة الملك محمد السادس قيادة مشروع الدولة الاجتماعية الديمقراطية، التي لا تقوم على النصوص وحدها، بل على ثقافة سياسية جديدة، تجعل من المواطن محور السياسات، ومن الشباب والنساء قاطرة التغيير نحو مغرب الكفاءة، والاستحقاق، والمواطنة الحقة.





