مجتمع

“إيمان السعيدي” تكتب تارودانت بين الأمل والواقع المرير

مدينة تارودانت، القلب النابض لتاريخ عريق وثقافة متجذرة، تجد نفسها اليوم بين واقع مرير وأمل يُكافح للبقاء. تحت وطأة التحديات المتزايدة، يعيش سكانها يوميات مليئة بالصعوبات التي تهدد جمالية وروح المدينة. رغم الجهود المبذولة على مر السنين، لا تزال المشاكل قائمة، والنتائج بعيدة عن تحقيق الطموحات.

أبرز ما يشغل سكان تارودانت اليوم هو تعثر مشاريع البنية التحتية التي كان يُفترض أن تغير وجه المدينة. القاعة المغطاة بلاسطاح، التي تمثل حلم العديد من الشباب الرياضي، ما زالت بعد أكثر من ثماني سنوات من الإنشاء مجرد هيكل ينتظر إحياءه. إلى جانبها، يتأخر بناء مسجدين بارزين: مسجد باب الخميس ومسجد فرق الحباب، دون توضيح من المسؤولين عن سبب هذا التأخير الطويل. 

دار الشباب في المدينة تعكس هي الأخرى حالة من الإهمال. فبدلاً من أن تكون فضاءً للإبداع والتكوين، أصبحت أشبه ببيت للإيجار، لا تلبي تطلعات الشباب ولا توفر البيئة المناسبة لتنمية مواهبهم. كيف يمكن لمدينة بحجم تارودانت أن تظل محرومة من مراكز ترفيهية وتعليمية تليق بشبابها؟

وفي قلب هذه المشاكل، نجد أن البنية التحتية للأسواق لا تسلم هي الأخرى من سوء التدبير. سوق السمك، الذي يفترض أن يكون واجهة تجارية مهمة، تحول إلى بؤرة للأوساخ والروائح الكريهة. ومع غياب اتخاذ قرارات واضحة بشأن إغلاقه أو إعادة تأهيله، تستمر معاناة التجار والمواطنين.

المواصلات هي أيضاً جزء من هذا الواقع الصعب. محطة باب تارغونت، التي لا ترقى لتكون محطة مواصلات حقيقية، لا تعدو كونها ساحة عشوائية تتجمع فيها سيارات الأجرة دون نظام. أما المحطة الطرقية، فهي لا تلبي الحد الأدنى من المعايير، مما يجعل التنقل من المدينة وإليها تجربة شاقة للمسافرين.

وعلى صعيد النقل الحضري، تمثل “طوبيسات الكرامة” مثالاً صارخاً للتدهور. فالازدحام الكبير يجعل من هذه الحافلات أقرب إلى علب سردين، حيث تُسحق الكرامة الإنسانية في كل رحلة.

وفي المجال الصحي، يعاني مستشفى المختار السوسي من ضغط هائل يفوق قدرته على الاستيعاب. مع 89 جماعة في الإقليم تعتمد عليه، يظل المستشفى غير كافٍ لتلبية احتياجات السكان. غياب التجهيزات الطبية الكافية ونقص الأطر يزيدان من تعقيد الوضع، ويجبر العديد من المواطنين على السفر إلى مدن أخرى لتلقي العلاج المناسب.

وسط هذه الصورة القاتمة، هناك بعض النقاط المضيئة التي تبعث الأمل في نفوس سكان المدينة. تم إنجاز المركب الثقافي، الذي أصبح فضاءً حيوياً للشباب والأنشطة الثقافية، ليشكل دفعة قوية للحياة الثقافية في المدينة. بالإضافة إلى ذلك، ساهم مشروع “أتقداو” في تشغيل عدد كبير من العمالة المحلية، وهو مؤشر إيجابي على الجهود المبذولة لتحسين الوضع الاقتصادي.

قطاع الصحة شهد أيضاً تحسناً ملحوظاً بفضل المستشفى الخاص “أكديطال”، الذي يخفف الضغط عن القطاع العمومي ويوفر خدمات صحية بجودة عالية، مما يمثل إضافة قيمة للبنية الصحية في المدينة.

في مجال التعليم، تم إنشاء مدرسة للذكاء الاصطناعي، وهي خطوة جريئة نحو تحديث النظام التعليمي وتأهيل الشباب لمتطلبات المستقبل.

ومن بين المشاريع الكبرى التي تعكس اهتمام المسؤولين بالبنية التحتية وحماية البيئة، نجد مشروع التطهير السائل الذي خُصصت له ميزانية ضخمة تقدر بـ305 مليون درهم، والذي سيساهم بشكل كبير في تحسين الظروف البيئية والعيش في المدينة.

رغم كل هذه التحديات، يظل الأمل حياً في نفوس سكان تارودانت. المشاريع القادمة، التي من المنتظر أن تفتح آفاقاً جديدة للشباب وتوفر فرص عمل، تمثل فرصة حقيقية لتارودانت كي تستعيد إشعاعها وتصبح مجدداً مدينة يفتخر بها أهلها.

في الختام، تارودانت هي مدينة ذات إمكانات هائلة وتاريخ عريق. ومع تعاون الجميع والعمل المشترك بين المسؤولين والسكان، يمكن للمدينة أن تستعيد مكانتها المرموقة وتحقيق تطلعات سكانها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى