فن و ثقافة

دعوة عامة لحضور حفل توقيع

بقلم: الأستاذ الاعلامي أحمد رمزي الغضبان

من المؤكد حقا ان المتتبع لشؤون الثقافة والابداع اليوم في هذا الوطن سيمسك راسه من اثر الدوار لما حل بنا من بدع ومظاهر لاعلاقة للثقافة بها، ولم تكن يوما من التقاليد في حياة عظماء الفكر والادب من اساطين القلم والابداع، كثيرا ما كنت اتامل العديد من المظاهر التي ظهرت في مجالات الثقافة من حيث لا ثقافة فكنت اخلص الى لا شيء، لان تلك المظاهر في حد ذاتها لا تستند الى شيء، تقاليد غزتنا فاساءت بالفعل الى القيم، واتخذها البعض مطايا لاغراض شخصية في ابعد الابعاد، ظاهرة احتفالات التكريم ثم ظاهرة احتفالات التوقيعات، وفي اطار الظاهرتين تم الترسيخ لمظاهر مظهر واحد منها يغنيك عن الباقي، ينظمون منصة او طاولات بقاعة، يستدعون محتفى به او بها في الغالب،يصفقون ويهرجون ويوزعون هدايا مرصودة، ياخذون صورا ، يتعانقون، يتبادلون ارقام الهواتف، يبرمون بالمناسبة علاقات باختلاف الاهداف، يرسمون لافاق ، كل وفق بتصور محدد،وبهداف وغايات محددة، يتفرقون، ثم تعاد صياغة لقاءات اخرى مماثلة،لكن هذه المرة بصيغة اخرى يسمونها حفل توقيع اصدار، واي اصدار؟؟؟ اغلب المنظمين لايمتلكون تصورا وجيها للاحتفاء باصدارواغبهم لا يقرؤون ولا علاقة لهم بثقافة لا بشعر ولا بابداع، واغلب من حضر لا يعرفون ما معنى الاحتفاء باصدار، وبين منظمين وحضور صورة تجسد لافتقار مؤكد الى تصور وجيه ورؤية محددة، واغلب من حضر ليست غايتهم حضور حفل توقيع، وقلة منهم حضرت للاستقصاء، واقل من القلة منهم حضروا فقط للمجاملة… هذه هوامش لا تعنيني اكثر ما يعنيني ان اطرح تساؤلي: ما الغاية من عقد حفل للتوقيع؟؟طرح تجربة للنقاش؟ التعريف بمذهب جديد في حقل الابداع؟ الاعلان عن ميلاد قلم واسم عبقري؟ الترسيخ لتقليد يسهم في تفعيل ثقافة الاهتمام ونشر المعرفة؟ وكثر الكلام الفارغ الساقط بتوقيع متزاجلات ومتزاجلين لا يفرقون بين الهمزة فوق الياء ام مستقلة، وكثر الشعراء وقل الشعر، وكثر الباحثون والاعلاميون ، وتدفقت الالقاب وتواضع اهل العلم … كثيرة هي الاحتفاءات بالعديد المتعدد من الاصدارات التي كنت احضر بعضها او اتابعها عن بعد ،وابحث اليوم عن اثارها في مجتمع اهل الثقافة من المتزعمين لهذه التقاليد فلا اجد لها اقل صدى لدى القراء، واي قراء؟ كلما ظهر متزاجل بسخف عقدنا له امسيات وحضرنا له مطبلين مزمرين مهللين مكبرين،زجالون لا يقرؤون وشعراء بلا مدارس ولا اتجاهات، استطرد هنا واتساءل: لماذا لم يكن هذا التقليد في مسار اساطين الفكر والكتابة من العظماء الذين اسهموا في الترسيخ للقيم الانسانية العظيمة في حياة البشر؟ لماذا لم تعقد للكاتب العربي الفذ الدكتور طه حسين مثل هذه الامسيات لتوقيع حديث الاربعاء او دعاء الكروان اوالمعذبون في الارض او الايام؟ ولماذا لم تعقد امسيات للكاتب العربي الفذ الاستاذ عباس محمود العقاد لتوقيع العبقريات او ساعات بين الكتب اوابو العلاء او ابو الشهداء الحسن ابن علي او اثر العرب في الحضارة الاوروبية او التفكير فريضة اسلامية؟ الكبير الاستاذ عباس محمود العقاد الذي رفض شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة المصرية ،ولماذ الم تعقد امسيات للكاتب مصطفى صادق الرافعي لتوقيع اوراق الورد ووحي القلم وتحت راية القران واعجاز القران والبلاغة النبوية وحديث القمر؟ ولماذا لم تعقد امسيات للاديبة الراقية الراحلة مي زيادة لتوقيع ظلمات واشعة وسوانح فتاة وغاية الحياة والمساواة … واقع ثقافتنا اليوم باتجاهاته المنحرفة يسلك طريقا في بحر مظلم كشبه سفينة تشق عباب بحر عميق في ظلمة داكنة في اتجاه معاكس، كما اسجل لبالغ الاسى والاسف خاصية غياب او تغييب الفكر من مختلف اغلب الامسيات التي تعقد باسم الثقافة والادب والابداع، وهي ابعد ما بين المشرقين، فلنكن صرحاء ولنقل ان الثقافة اليوم قد اصبحت ملتقيات لنشر سلوكات قد اساءت لقيم الابداع الحقيقي في جوهره ،امسيات ل باهتة لا يحضره المثقف الحقيقي الذي ترك المجال للقردة يعبثون بالقيم ، هناك بعض الملتقيات التي تسير على خطى صحيحة في هذا المنحى ولكنها ملتقيات نادرة جدا والنادر لا حكم له في زمن التسلط المرتبط بمظاهر السخافات وطمس ملامح الجمال الحقيقي والاساءة الى الادب والابداع بشكل عام في جوهره الاصيل والعريق، اقف وقفة اجلال اترحم من خلالها على ارواح اساطين الشعر والادب والثقافة من العمالقة الذين اناروا بعطاءاتهم مواكب الركب الانساني في مختلف الازمنة والامكنة، وادعو بالسحق لكل سخيف متسلط يرصد غايات شخصية مستغلا قيم الابداع الرفيع ، واحيي زمرة الاصفياء من الشرفاء الذين لازالوا يؤمنون برسالة الفكر والادب والثقافة على امتداد رقعة الوطن العربي، ولا اجد خيرا للختم من قول الشنفرى في لامية العرب الذائعة عندما قال متذمرا :اقيموا بني امي صدور مطيكم فاني الى قوم سواكم لاميل فقد خفت الحاجات والليل مقمــــــــــــــــــــر وشدت لطيات مطايــا وارحـــــــــل اما التكريم فاستحضر قولة بليغة للكاتب العربي الكبير الاستاذ يوسف ادريس عندما قال :(كرموني وانا حي ، فان مت فشيعوني بالف لعنة )

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلام بليغ. رصدت ، استاذ احمد رمزي ، واقع الساحة الثقافية بدقة، سخافة لا حدود لها . تبارك الله عليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى