بنات بلاديمال و أعمال

ريادة الأعمال.. المرأة المغربية تبحث عن مزيد من التحرر

بفضل طموحها القوي ورغبتها الأكيدة في تحقيق الاستقلالية، تواصل المرأة المغربية سعيها لتحقيق مزيد من التحرر الذي من شأنه تعزيز مكانتها في عالم الأعمال.

وبين العوائق البنيوية والسوسيو-ثقافية، تظل ريادة الأعمال لدى النساء معركة طويلة الأمد، ولكنها معركة تعد بالأمل والفرص. ومع ذلك، تشير الأرقام إلى وجود رغبة كبيرة لدى النساء المغربيات في إنشاء المقاولات.

ووعيا منها بالدور الرئيسي الذي تضطلع به ريادة الأعمال النسائية في النمو الشامل، كثف المغرب جهوده لتشجيع ودعم النساء المقاولات، حيث تم إطلاق العديد من البرامج لتعزيز ولوجهن إلى التمويل والتكوين والتشبيك.

وتطور الإطار التشريعي، أيضا، لضمان قدر أكبر من الاندماج الاقتصادي للنساء، مما يعكس الالتزام المؤسساتي بتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص.

من جانبهن، أصبحت النساء المغربيات اليوم أكثر تعليما من أي وقت مضى، حيث يمثلن أزيد من نصف عدد المسجلين في الجامعات، لكن المشاركة في منظومة ريادة الأعمال لا تزال غير كافية. فلماذا إذن لا تتم الاستفادة من هذه الإمكانات بشكل كامل.

 إمكانات غير مستغلة في بيئة متغيرة 

وتقول ليلى الدكالي، رئيسة جمعية النساء المقاولات بالمغرب، إن “النساء المغربيات اليوم أكثر تعليما وأكثر تأهيلا من أي وقت مضى، لكن ذلك لم ينعكس بعد بشكل كامل في منظومة ريادة الأعمال”. وفي الواقع، على الرغم من أن حوالي 34 في المائة من النساء المغربيات يعربن عن رغبتهن في أن يصبحن مقاولات، فإن 10 فقط منهن يتخذن هذه الخطوة، وهو معدل أقل مقارنة بسنة 2015.

من جهتها، توضح هند بوزكراوي، الخبيرة في الإدارة وريادة الأعمال بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بمراكش، أن “ولوج السوق (29 في المائة) ونقص التمويل (20 في المائة) يظلان من العوائق الرئيسية التي تقف أمام المقاولات المغربيات، قبل الحواجز الاجتماعية والثقافية”. ومع ذلك، هناك العديد من القطاعات الواعدة المفتوحة أمام النساء، خاصة الاقتصاد الدائري، والصناعة الإبداعية، والصناعة الغذائية المستدامة، والخدمات الشخصية.

 التمويل: عصب الحرب 

إذا كانت فكرة إنشاء مقاولة تنمو في أذهان العديد من النساء المغربيات، فإن الحصول على التمويل يظل شغلا شاغلا. وبحسب السيدة بوزكراوي، فإن 76 في المائة من المقاولات التي تديرها نساء يتم تمويلها من أموالهن الخاصة أو العائلية، في حين أن 24 في المائة فقط منهن يحصلن على قروض بنكية.

وأعربت السيدة الدكالي عن أسفها لكون “معايير التقييم التي تطبقها البنوك لا تأخذ دائما في الاعتبار خصوصيات المشاريع النسائية، والتي غالبا ما تركز على الأثر الاجتماعي والبيئي”.

ولذلك، فهي تدعو إلى “مراجعة معايير منح القروض بحيث تشمل القدرة على الاستمرار على المدى الطويل والأثر المجتمعي، بدلا من الاعتماد فقط على الضمانات المادية”.

ومع ذلك، بدأت بعض المبادرات في الظهور، حيث يعد إصدار “سندات النوع” من قبل الهيئة المغربية لسوق الرساميل تقدما مهما. وتهدف هذه الصناديق إلى تمويل المشاريع التي تقودها النساء حصريا، وتسهيل ولوجهن إلى الموارد المالية.

كسر العزلة من خلال التكوين والتشبيك 

بعيدا عن التمويل، هناك منظومة كاملة للدعم والمواكبة ينبغي تعزيزها. ولا يزال الخوف من الفشل ونقص الشبكات يعيق العديد من النساء.

ولمعالجة هذا الأمر، وضعت جمعية النساء المقاولات بالمغرب برامج توجيهية وتكوينية من قبيل برنامج “She Learn”، الموجه لتلقين النساء المقاولات مهارات الإدارة والقيادة والرقمنة.

علاوة على ذلك، تبرز الشبكات كأداة قوية لكسر العزلة وتسريع نمو المقاولات التي تديرها النساء.

وتؤكد السيدة بوزكراوي أن “المشاركة في نوادي الأعمال والمنتديات والحاضنات تسمح للنساء بنسج علاقات استراتيجية، والعثور على مرشدين، وولوج أسواق جديدة”.

وأخيرا، توفر الرقمنة فرصة غير مسبوقة للنساء المقاولات. ويواكب برنامج “SHE DIGITAL” الراغبات في تطوير أنشطتهن عبر الإنترنت، من خلال فتح آفاق جديدة أمامهم في السوق الدولية.

ومع ذلك، لا يمكن لريادة الأعمال النسائية أن تتطور بشكل كامل دون وجود منظومة شاملة والتقائية بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين والماليين والمؤسساتيين.

ومن الضروري تجاوز تدابير الدعم التقليدية وإعادة التفكير في مقاربة لدعم النساء المقاولات، ويمر ذلك عبر سياسات موجهة تعزز الوصول الأولي إلى الأسواق العمومية والخاصة، وإنشاء علامات تجارية خاصة بالمقاولات التي تديرها النساء، فضلا عن توعية أفضل للمستثمرين بالفرص التي تتيحها ريادة الأعمال النسائية.

 مستقبل بين الالتزام المؤسساتي والعزيمة النسائية  

إذا كان المغرب قد وضع أسس الاندماج الاقتصادي للنساء، فإن الأرقام تكشف أن تحولا حقيقيا في المقاربة أمر ضروري.

وفي هذا الصدد، تدعو السيدة الدكالي إلى “إصلاح عميق للإطار التنظيمي والمالي، وكذا تغيير العقليات حتى يتم اعتبار النساء فاعلات قائمات بذاتهن في الاقتصاد المغربي”.

من جهتها، ترى هند بوزكراوي أنه من الضروري “إدماج وحدات ريادة الأعمال في التكوين الجامعي وتكثيف الأنشطة التحسيسية لتطبيع صورة النساء المقاولات”.

إن ريادة الأعمال النسائية في المغرب هي واقع متحول. ومع بعض التعديلات السياسية والمالية والثقافية، يمكن أن يصبح هذا القطاع أحد المحركات الرئيسية للنمو الشامل للبلاد.

وفي انتظار تحقق ذلك، تواصل المرأة المغربية غزو عالم ريادة الأعمال بجرأة وصمود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى