المهندس المعماري الأستاذ عبد الغني خلدون في لقاء حصري “التراث العمراني والمعماري للمدينة العتيقة ابي الجعد”

أجرى اللقاء: الإعلامي أحمد رمزي الغضبان
مدينة ابي الجعد مهد الزاوية الشرقاوية ، مدينة تاريخية عتيقة بخصائص ومكونات سياحية جميلة للغاية، واهتماما بتراثيات المدينة العريقة ابي الجعد صدر للأستاذ عبد الغني خلدون اصدار قيم بعنوان (بجعد التراث العمراني والمعماري للمدينة العتيقة، والمؤلف هو ابن هذه الحاضرة الصوفية، مختص في الهندسة المدنية، وخريج المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط، حاصل أيضا على ديبلوم في إدارة التنمية من واشنطن، شغل سابقا المدير الجهوي للتجهيز، ومهتم بمجال الهندسة المعمارية، ويأتي إصداره القيم نتاج سنوات من البحث والشغف العميق حيث يبرز هذا الإصدار التراث التاريخي والتخطيطي والمعماري لواحدة من اقدم المدن المغربية مدينة ابي الجعد.
وبهذه المدينة كان اللقاء ثم كان الحديث وكان هذا الحوار مع المهندس الأستاذ عبد الغني خلدون الذي يعتبر اول باحث يقف من مدينة ابي الجعد عند محور لم يسبق لاحد من الباحثين في تراث هذه المدينة التاريخية العتيقة ان وقف عنده، وهو الجانب العمراني مرتبطا بتراث المعمار، نتابع اذن محاور هذا اللقاء الذي خصنا به حول إصداره القيم المهندس الأستاذ عبد الغني خلدون
س: الأستاذ خلدون، كيف يمكن ان نتحدث عن اصداركم القيم (التراث العمراني والمعماري لمدينة بجعد)، وما الدافع الذي حفزكم لتأليف هذا الإصدار؟
ج: هذا الكتاب أولا وقبل كل شيء هو اعلان عن حبي لمدينة ابي الجعد التي هي مسقط راسي وجزء وضيء من وطني الأكبر، مدينة ابي الجعد مهد الزاوية الشرقاوية المعروفة بتاريخها المجيد وتقاليدها وغنى موروثها الثقافي الصوفي العريق، وباعتبار تخصصي كمهندس مدني وجدت لدي رؤية خاصة مرتبطة بالهندسة المعمارية والعمران، ومن هذا المنطلق لاحظت انه من الأهمية الثقافية والروحية لمدينة ابي الجعد، فان ارثها المعماري والعمراني يمثلان جانبا ظل مجهولا من تراثيات المدينة وهمشا أيضا، وهو الامر الذي دفعني للتفكير بضرورة الوقوف عند هذا الجانب المرتبط بتراثي العمران والمعمار للمدينة، وأيضا من اجل ارشفة هذا الكنز التراثي الحضاري وتحليله وتتميمه.
وهكذا كان ميلاد هذا الاصدار القيم، وللإشارة، فقد مكنني مساري المهني أيضا ان أقارب هذا العمل من وجهة نظر تقنية ومنهجية، وقد اردت بذلك ان ابرز معمار ابي الجعد بالرغم من تجذره في التقاليد القديمة، فانه يعكس براعة حقيقية على صعيد التخطيط والتصميم، والكتاب من هنا ليس مجرد اشادة بجمال المدينة ولكنه أيضا دعوة للحفاظ على تراثياتها المرتبطة بموضوع الكتاب الذي يعتبر ثمرة سنوات من البحث والتوثيق، حيث يبرز الدور الروحي والمعماري لمدينة ابي الجعد باعتبارها مهد التراثيات الفكرية والعملية للزاوية الشرقاوية.
س: يتضمن الكتاب ثلاث فصول ترتبط في مجملها بجانب التراث العمراني والمعماري لمدينة ابي الجعد؟
ج: بالفعل، يقدم الكتاب مضمونا علميا ممنهجا تم تصنيفه وفقا لجملة من المعطيات المرتبطة بالموضوع الى ثلاث فصول، الفصل الأول يقدم تاريخ المدينة العتيقة ابي الجعد، مع تعريف بالزاوية الشرقاوية التي هي اصل نشأة المدينة ، ثم الفصل الثاني ويتعلق بالتراث العمراني يبين النسيج الحضاري عبر العصور وذلك وفق مخطط منظم ومتكامل، اما الفصل الثالث فيرصد جانب التراث المعماري مع الوقوف عند مختلف الاشكال كالزوايا والاضرحة والابواب والرياضات والشرافات والمساجد وما شابه ذلك من معالم المدينة.
س: اصداركم، أستاذ خلدون، يرصد بدقة الجانب المتعلق بالنسيج الحضري والتراث الحضري لمدينة ابي الجعد العتيقة (الاحياء والملاح والساحة المركزية والاقواس والازقة وما شابه، كيف يمكن ان تحدثونا عن دورها واهميتها في تحديد هوية المدينة العتيقة ابي الجعد؟
ج: نحن عندما نفحص النسيج الحضري لمدينة ابي الجعد والتطور المكاني بها، طبعا سنلاحظ ان تشكلها مهيكل ومنتظم بصيغة بديعة تبرز معها الخاصيات العربية الإسلامية للمدن العتيقة المغربية، ومدينة ابي الجعد هي أيضا تشكل مجموعة من الاحياء منسجمة ومتراصة تطورت مع الزمن من قبل أبناء وحفدة مؤسس المدينة أبو عبيد امحمد الشرقي، وكل حي من الاحياء يحمل اسم مؤسسه في المدينة.
وبشكل عام فالنسيج الحضري لمدينة ابي الجعد هو شاهد حقيقي على تاريخ المدينة وقدرتها على التطور مع بقائها وفية لهويتها، كما ان الملاح يمثل هو أيضا على سبيل المثال شاهدا على التعايش المتناغم بين الطوائف المسلمة واليهودية، ومن هنا يعطي النموذج النادر والنفيس للتبادل الثقافي والديني، في حين تمثل الازقة والساحات الصغرى امكنة للقاءات وللحياة اليومية بالمدينة تعكس مساراتها المتعرجة، في براعة تخطيط حضري بديع ونادر، مستمتعة بالتهوية الطبيعية والحماية من حرارة الشمس.
ثم التبليط بالحجارة المحلية التي صقلت مع مرور الزمن، تمنح هوية بصرية قوية للمدينة لتظل شاهدا على براعة الصانع القديم، ثم تتميز الساحة المركزية المحاطة بأقواسها الشهيرة بخصائص تجعل منها فضاءا تمتزج فيه التجارة والروحانية والود والتعايش، وللإشارة، فهذه الاقواس هي مستوحاة من اقواس مكة المكرمة، وقد صممت من اجل استقبال الحجاج وزوار الزاوية الشرقاوية، لتوجز في شكلها الإبداعي الفريد كيف يستجيب العمران الى الحاجيات العملية، وكيف يحتفل بالجمالية والرمزية.
س: أستاذ خلدون جانب اخر من الجوانب الهامة في تراثيات المعمار المرتبط بمدينة ابي الجعد، وهو جانب الأبواب المولجة الى مختلف احياء مدينة ابي الجعد، يبدو انها كانت تضطلع بدور أساسي في تنظيم المدينة، كيف يمكن ان نتحدث عن رمزية هذه الأبواب وعن وظائفها؟
ج: أبواب الولوج في مدينة ابي الجعد هي عناصر أساسية تؤشر على الحدود، وتنظم مختلف الاحياء، فعلى عكس مدن مغربية أخرى لم تسور مدينة ابي الجعد ابدا، وهذا يدل على انفتاحها وأيضا على طابعها المضياف، فكل الأبواب مثل (باب درب السقاقي) و(درب القادريين) و(درب الشيخ) فهي بمثابة نقطة استراتيجية للعبور تربط بين الاحياء مع ضمان نوع من الامن، وفي الأصل كانت هذه الأبواب من خشب، وكانت تمكن من تصفية الداخلين والخارجين لاسيما اثناء الليل، حينما كانت الساكنة تغلقها لحماية احيائها.
اليوم نجد هذه الأبواب قد أصبحت على هيئة اقواس ، الا انها ظلت علامات تاريخية ورمزية ظلت شاهدا على التنظيم والبراعة الحضرية للمدينة، كما انها تربط الساحة المركزية الكبرى بالأحياء الداخلية مضطلعة بدور وظيفي وجمالي داخل النسيج الحضري الفريد.
س: ونحن نستعرض هذا الإرث الحضري الذي يميز مدينة ابي الجعد العتيقة من خلال اصداركم القيم، اسالكم الأستاذ خلدون، ما الذي اثاركم أكثر في هذا الإرث الحضري الخالد؟
ج: ما اثارني فعلا في هذا التراث المعماري لمدينة ابي الجعد هو الغنى والتنوع ونظامه المتناغم، فعلى سبيل المثال اقف بكم عند مقر الزاوية الشرقاوية التي لا تعتبر فقط مركزا دينيا، بل هي فضاء متعدد الوظائف، مجهز بقاعات للصلاة، وأماكن لإيواء الحجاج، وأماكن للتأمل والتفكر، النها بالفعل الرمز الاكبرللمدينة، ثم هناك أيضا الاضرحة يتصدرها ضريح سيدي بوعبيد الشرقي ، هذه الاضرحة تظل بالفعل مثيرة للإعجاب وذلك لأهميتها الروحية ولجمالية معمارها، فنجدها مزينة بالزليج والنقش على الجبص، وبالأسقف الخشبية المزخرفة والمنقوشة والاضرحة والرياضات والمساجد.
ثم هناك الفنادق التي كانت بمثابة خانات بالنسبة الى التجار ودوابهم، لتسجل للأهمية التجارية بمدينة ابي الجعد وما كان يتخللها من تبادلات تجارية إقليمية، ثم هناك أيضا الاقواس والابواب المنقوشة ببراعة، والممرات تحت (الصابة) حيث تعكس الاهتمام البالغ بالجمالية والوظيفية، وحقا ما ادهشني هو ان كل عنصر سواء كان ذا أهمية او بسيطا في قيمته، فقد كان له دوره الهام الذي يلعبه في تحقيق هذا الغنى التراثي بالمدينة على مستوى مختلف الواجهات.
س: طيب أستاذ خلدون مدينة ابي الجعد ، انتم كمهندس معماري، ومن منطلق اصداركم القيم، اين يمكن تصنيف البنايات التي تكونها شبكة متجاورة من المنازل بمدينة ابي الجعد؟
ج: ان بنايات المدينة على الخط العربي المتوسطي يكمن سحرها كباقي المدن العتيقة بالمغرب في الهندسة المعمارية الكلاسيكية للمنازل على نوع الرياضات، وللإشارة بالمناسبة، ان بناء المنازل يحترم الفلسفة الاجتماعية للمدن العتيقة، فالمنازل مغلقة بأحكام بدون زخرفة ظاهرة على الواجهات، فقط مجرد زخرفة بسيطة على أبواب الدخول مفتوحة على وسط الدار، وعلى فناء او حديقة بالداخل، نجد نقوشا رائعة وزخارف جبصية مرسومة، والارضيات والحيطان مغطاة بالرخام والزليج، وسقوف من الجبص او من الخشب المنقوش والمرسوم أحيانا.
وبشكل عام فالمنازل بنيت بصالونات في الطابق الأرضي، وغرف للنوم في الطابق، والكل مفتوح على فناء يحتوي جزءا كبيرا من المنزل على منازل فاصلة ومتلاصقة تسمى (الدويرية)، تحتوي بدورها على مدخل مستقل، وتشمل أيضا على مطابخ وغرف الخدم والمباني الإضافية.
س: رحلة بين صفحات اصداركم القيم (التراث العمراني والمعماري لمدينة ابي الجعد)، ومجموعة من المعطيات التي تلامس تراثيات المدينة في جوانب لم يسبق لباحث ان اهتم لها، وهو سبق يسجل لكم الأستاذ خلدون، معطيات قيمة تجعل اصداركم القيم جدير حقا بالاهتمام وبالقراءة، وختاما، ما هي الرسالة التي تودون ايصالها الى قراء كتابك؟
ج: ان الموروث العمراني والمعماري هو ذاكرة للأفراد والأمم، وهو مصدر انتمائها لماضيها وتركتها لجيل المستقبل، لذلك فان حماية هذا الموروث والحفاظ عليه يعد ضرورة بالغة الأهمية، كما يعتبر أيضا ركيزة أساسية لتعزيز الشعور بالانتماء والفخر به، حيث يساهم في توطيد الروابط الاجتماعية بين الافراد في المجتمع، رسالتي من هذا المنطلق واضحة وهي كالتالي:
مدينة ابي الجعد هي كنز ثقافي ومعماري، وأكرر، يجب الحفاظ عليه والامر مستعجل، هذا التراث الفريد بمعالمه الاثرية وبتقاليده يمثل ذاكرة حية تروي تاريخنا والحالة هذه، فهذا الغنى مهدد بالتلف والضياع وذلك امام صيانته والحفاظ عليه، ومن خلال اصداري اود تحسيس الساكنة والسلطات المحلية والمهتمين بالتراث والمشتغلين به الى أهمية ترميم وتتميم هذه المواقع للمدينة المصنفة حاليا ضمن التراث الوطني، ونحن نطمح لتسجيل المدينة تراثا عالميا من لدن منظمة اليونيسكو الدولية كخطوة حاسمة لتامين المحافظة عليها، ان هذا الكتاب هو أيضا دعوة الى الفهم الجيد لهذا التراث واحترامه، مشددا على ان الامر لا يتعلق فقط بحماية الحجر، بل أيضا بحماية هوية المدينة وروحها التي لديها الكثير لتقدمه.
س: طيب الأستاذ عبد الغني خلدون اعطيكم كلمة لختم هذا اللقاء معكم؟
ج: انوه بمنبركم الإعلامي المميز بلادي 24، واشكركم جزيل الشكر على هذا اللقاء الذي اتحتم لي من خلاله ان اتحدث عن اصداري الذي هو بالفعل نتيجة ثمرة سنوات من البحث والشغف العميق، حيث يبرز التراث التاريخي والتخطيطي والمعماري لإحدى أقدم المدن العتيقة مدينة ابي الجعد العريقة مهد الزاوية الشرقاوية، شكرا لكم ألف شكر.