بنات بلادي

البرلمانية حنان أتركين تكتب ” قوة الحُجة لا حُجة القوة “

بقلم الدكتورة حنان أتركين – نائبة برلمانية

قوة الحُجة لا حُجة القوة
متى نصل إلى تقليد مناقشة الأفكار، عوض الاحتجاج عليها بسبب أو بدونه؟ ومتى يتخل محترفو الاحتجاج عن استغلال كل شيء، وتسييس كل شيء، والنزول إلى الشارع بمناسبة أو بدونها؟ ولماذا تطغى شعبوية الخطاب على عقلانيته؟
هذه النتيجة، ليست وليدة اللحظة، لكنها قناعة تشكلت لدي منذ مدة، فحين تُطرح أفكار جديد، قد تكون تغييرية أو ثورية أو حتى موجعة لكلفتها الاقتصادية والاجتماعية، لا يتم الإنصات إلى مضمونها، وإلى ما يطرحه مقدمها من أسباب ومبررات، ويتم التحول رأسا إلى معارضتها عبر الاستقواء بالشارع، ونشر التضليل والمغالطات، وتحوير النقاش، بل ويصبح الجميع متخصصا في التعليم والعلاقات الدولية والتطعيم والأمراض والأوبئة…فهل تمعنا جيدا في الخطة الوطنية لإدماج المرأة التي استقوى معارضوها بالشارع، فذهب صاحبها ضحية لها في حكومة التناوب الأولى؟ وهل أنصتنا جيدا لتبريرات وزير التربية الوطنية التي زكاها التقرير الأخير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؟ وهل فهمنا أن لا خيار لنا في مواجهة جغرافية معايدة إلا بتحالفات واستراتيجية أمن قومي جديدة؟ وهل استوعبنا أن العالم ليس له بديل لمواجهة الجائحة، بتناسل متحوراتها، سوى التطعيم؟
محترفو الاحتجاج لا فكر ولا برنامج عمل لهم، إنهم مستعدون لقول “لا” في مواجهة كل شيء، فكل شيء “سيء” وكل شيء وراءه “الأمبريالية” و”الصهيونية” و”الماسونية” و”ضرب مكتسبات الطبقات الاجتماعية”، لكن ما البديل؟ هنا يتوقف محترفو الاحتجاج عن البوح، فلا برنامج بديل سوى شعارات من زمن المنجل والمطرقة، ومن عهد السلف الصالح؛
وأنا أخط هذه السطور، تذكرت التحدي الذي رفعه وزير الداخلية عبد الواحد لفتيت، حين طالب هيئات بعينها، وبالمناسبة فقد ذكرها بالاسم، قائلا، في اجتماع لجنة بالبرلمان “أتحدى أن تكون تلك الهيئات…قد قالت كلمة واحدة خلال العشر سنوات الماضية ترحب بشيء إيجابي قامت به الدولة”. فهل الدولة شر وحكومتها أداة شريرة تنفذ سياستها؟ وهل بديل هؤلاء هو “مجتمع اللادولة” التي تحدث عنه بير كلاستر…ام فقط فوضى باكونونية أو إمارات إسلامية متناحرة؟ وهل بانهيار الدولة ألا ينهار المجتمع المتجنى عليه؟
إن بلادنا في حاجة إلى إنتاج أفكار جديدة ومجددة، لكنها في حاجة إلى بيئة “نظيفة” لمناقشتها، بيئة تستعمل فيها قوة الحجة لا حجة القوة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى